الجمعة، 20 يوليو 2018

كلام العلماء في حكم الانحناء


كلام العلماء في حكم الانحناء

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد ظن كثير من الناس أن من آداب اللقاء، وحسن الاستقبال، واحترام الكبير الانحناء له توقيراً وإجلالاً، وهذا الظن ظن الجاهل، وهو خطأ ظاهر .
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أنس بن مالك -t- قال: قال رجل : يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: «لا»، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: «لا»، قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم».
قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص الحبير: (- أخرجه - أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث أنس وحسنه الترمذي واستنكره أحمد).
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال :"ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه، لما يعلمون من كراهيته لذلك".
كان الانحناء عند التحية في شريعة من قبلنا قال البغوي رحمه الله في تفسيره: (سجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل {وخروا له سجدا} لم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام).
وقال: (وكانت تحية الناس يومئذ السجود، ولم يُرِدْ بالسجود وضعَ الجباه على الأرض، وإنما هو الانحناء والتواضع .
وقيل: وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحية والتعظيم، لا على طريق العبادة. وكان ذلك جائزاً في الأمم السالفة فنسخ في هذه الشريعة).
وقال شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله: ( وأصل "السجود" الانحناء لمن سجد له معظما بذلك. فكل منحن لشيء تعظيما له فهو "ساجد".
ومنه قول الشاعر:
بجمع تضل البلق في حجراته....ترى الأكم منه سجدا للحوافر)

وقال القرطبي رحمه الله: (وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء.
وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان فإنما كان تحية لا عبادة، قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة.
قلت - القائل القرطبي -: هذا الانحناء والتكفي الذي نسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية، وعند العجم، وكذلك قيام بعضهم إلى بعض، حتى أن أحدهم إذا لم يقم له وجد في نفسه كأنه لا يؤبه به، وأنه لا قدر له، وكذلك إذا التقوا انحنى بعضهم لبعض، عادة مستمرة، ووراثة مستقرة لا سيما عند التقاء الأمراء والرؤساء.
نكبوا عن السنن، وأعرضوا عن السنن) وقال: (وإذا سلم فإنه لا ينحني...؛ لأن الانحناء على معنى التواضع لا ينبغي إلا لله).
وقال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن: ({ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم}.
قال العلماء: كان هذا سجود تحية لا سجود عبادة، وهكذا كان سلامهم بالتكبير وهو الانحناء، وقد نسخ الله في شرعنا ذلك، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء والقيام).
وقد نص عدد من العلماء من مذاهب شتى على حرمة الانحناء لمخلوق.
جاء في تحفة الحبيب من كتب الشافعية: (والحاصل أن الانحناء لمخلوق كما يفعل عند ملاقاة العظماء حرام).
قال ابن القيم: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن ينحني للرجل إذا لقيه كما يفعل كثير من المنتسبين إلى العلم ممن لا علم له بالسنة بل يبالغون إلى أقصى حد الانحناء مبالغة في خلاف السنة جهلا، حتى يصير أحدهم بصورة الراكع لأخيه، ثم يرفع رأسه من الركوع كما يفعل إخوانهم من السجود بين يدي شيوخهم الأحياء والأموات، فهؤلاء أخذوا من الصلاة سجودها، وأولئك ركوعها، وطائفة ثالثة قيامها، يقوم عليهم الناس وهم قعود كما يقومون في الصلاة، فتقاسمت الفرق الثلاث أجزاء الصلاة، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن انحناء الرجل لأخيه سداً لذريعة الشرك، كما نهى عن السجود لغير الله).
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: ( وأما الانحناء عند التحية: فينهى عنه كما في الترمذي عن النبي -r- أنهم سألوه عن الرجل يلقى أخاه ينحني له؟ قال: «لا»؛ ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعله إلا لله عز وجل؛ وإن كان هذا على وجه التحية في غير شريعتنا كما في قصة يوسف: ({ وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} وفي شريعتنا لا يصلح السجود إلا لله بل قد تقدم نهيه عن القيام كما يفعله الأعاجم بعضها لبعض فكيف بالركوع والسجود؟ وكذلك ما هو ركوع ناقص يدخل في النهي عنه).
بل قال رحمه الله: (مجرد الانحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه. ففي المسند وغيره، أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «ما هذا يا معاذ»؟ فقال : يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم فقال: «كذبوا يا معاذ لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، يا معاذ أرأيت إن مررت بقبري أكنت ساجدا»؟ قال: لا، قال: «لا تفعل هذا». أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وبالجملة فالقيام والقعود والركوع والسجود حق للواحد المعبود: خالق السموات والأرض وما كان حقا خالصا لله لم يكن لغيره فيه نصيب).
وقال: (وأما تقبيل الأرض ووضع الرأس قدام الشيخ والملك فلا يجوز بل الانحناء كالركوع لا يجوز، ومن فعله قربة وتدينا بُيِّن له فإن تاب وإلا قتل).
قال ابن القيم رحمه الله: (انحناء المتلاقين عند السلام أحدهما لصاحبه من السجود المحرم وفيه نهي صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم).
وقال ابن عبد القوي رحمه الله في منظومته:
ويكره منك الانحناء مُسلِّما *** وتقبيل رأس المرء حل وفي اليد
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (ومعنى «التحيات»: جميع التعظيمات لله ملكاً واستحقاقاً، مثل الانحناء والركوع والسجود، والبقاء والدوام، وجميع ما يعظم به رب العالمين فهو لله).
وقال العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله: (الانحناء عند السلام حرام إذا قصد به التحية. وأما إن قصد به العبادة فكفر).
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله ما نصه: ( هل من الإسلام إذا سلم أحد على أخيه أن ينحني له تعظيما، أو يخلع نعليه وينحني له تعظيما؛ لأن هذا كله من عادة آبائنا، ولذلك أرجو منكم بيانا شافيا من فضلكم؟
ج: لا يجوز الانحناء عند السلام ولا خلع النعلين له.
وفي سؤال آخر: انخرطنا في نادي من نوادي الكاراتيه بأمريكا، وقال المدرب: أنه يجب أن تنحني عندما ينحني لك هو، فرفضنا وشرحنا له ذلك في ديننا فوافق ولكن قال: على أن نحني فقط الرأس، لأنه هو يبدؤك بالانحناء فلا بد أن ترد تحيته فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
ج: لا يجوز الانحناء تحية للمسلم ولا للكافر لا بالجزء الأعلى من البدن ولا بالرأس؛ لأن الانحناء تحية عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله وحده.
وفي سؤال آخر: هل يحل انحناء الصبي لمن هو أكبر منه سنا في التسليم وفي إن لقيه احتراما وتعظيما له؟
ج : أجمع أهل العلم على أن الانحناء لا يجوز لأحد من المخلوقين؛ لأنه لا يكون إلا لله تعالى؛ تعظيما له سبحانه، وقد روي عن النبي -r- النهي عنه لغير الله).
وقال العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله: (ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يلقى أخاه فيسلم عليه أينحني له فقال: «لا» فمنع صلى الله عليه وسلم من الانحناء عند التسليم؛ لأن ذلك خضوع لا ينبغي إلا لله رب العالمين فهو سبحانه وحده الذي يركع له ويسجد، وكان السجود عند التحية جائزا في بعض الشرائع السابقة، ولكن هذه الشريعة الكاملة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم منعت منه وحرمته إلا لله تعالى وحده) ( خلافا لما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك، فيجب على كل مؤمن بالله أن ينكره؛ لأنه عظمك على حساب دينه).
وقال رحمه الله: (وأما الانحناء عند الملاقاة أو المعانقة والالتزام فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك أننحني؟ قال: «لا». قال السائل: أيلتزمه ويعانقه؟ قال: «لا». فإذا لاقاه فإنه لا يلتزم أي لا يضمه إليه ولا يعانقه ولا ينحني له، والانحناء أشد وأعظم؛ لأن فيه نوعا من الخضوع لغير الله عز وجل بمثل ما يفعل لله في الركوع فهو منهي عنه، ولكنه يصافحه وهذا كاف، إلا إذا كان هناك سبب، فإن المعانقة أو التقبيل لا بأس به، كأن كان قادما من سفر أو نحو ذلك، فإن قال قائل كيف يكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينحني له مع قول الله تعالى في إخوة يوسف لما دخلوا عليه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا فالجواب عن هذا أنه في شريعة سابقة وشريعتنا الإسلامية قد نسخته ومنعت منه فلا يجوز لأحد أن يسجد لأحد وإن لم يرد بذلك العبادة أو ينحني فإن الانحناء منع منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قابلك أحد يجهل هذا الأمر وانحنى لك فانصحه وأرشده قل له هذا ممنوع لا تنحن ولا تخضع إلا لله وحده، وتقبيل اليد لا بأس به إذا كان الرجل أهلا لذلك).
وجاء في الموسوعة الفقهية أن الانحناء: (قد يكون محرما، كالانحناء تعظيما لإنسان أو حيوان أو جماد. وهذا من الضلالات والجهالات.
وقد نص الفقهاء على أن الانحناء عند الالتقاء بالعظماء ككبار القوم والسلاطين تعظيما لهم - حرام باتفاق العلماء).
وقد جاء في فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل رحمه الله مانصه: (انحناء الإنسان لغيره برأسه أو برقبته لا يجوز في حالة السلام، ولا في غيره؛ لأن ذلك من الخضوع، والخضوع لغير اللَّه منهي عنه، وقد سئل الإمام النووي عن ذلك. ونص السؤال:
الانحناء الذي يفعله الناس بعضهم لبعض -كما هو معتاد لكثير من الناس- ما حكمه؟ وهل جاء فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه؟
فأجاب -رحمه الله- بما نصه:
هو مكروه كراهة شديدة، فقد ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه، أو صديقه، أينحني له؟ قال: «لا» ، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: «لا»، قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم». رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فهذا الحديث صريح في النهي عنه، ولم يأت له معارض، فلا مصير إلى مخالفته، ولا يُغتر بكثرة من يخالفه، ممن ينتسب إلى فقه، أو غيره من خصال الفضل).
والخلاصة: أن الانحناء لا يجوز مطلقاً إذا كان مقصوداً، فلو انحنى لأمه أو أبيه أو للحاكم قاصداً الانحناء تعظيماً لهم كان فعله محرماً وجرماً.
وإذا كان الانحناء أشبه بالركوع أو السجود فهو حرام، وإن كان المنحني غير قاصد للانحناء؛ لأن هذا لا يجوز إلا لله كما مضى في كلام أهل العلم.
أما إذا انحنى طويل القامة لمعانقة قصير القامة مثلاً، فهذا وإن كان فيه ميل بالظهر للرجل الآخر فهو غير مقصود قطعاً، ولا يقال: إن هذا قد انحنى لهذا, بل انحنى عليه، ويدخل فيه لو انحنى الولد على والده الجالس مقبلاً رأسه ويده، قال العلامة صالح الفوزان غفر الله له: (الانحناء لا يجوز إلا لله سبحانه وتعالى لكن تقبيل يد الأم اليد لا الرِّجل يقبِّل يد والدته أو يد والده، أو يد العالِم، أو يد ولي الأمر، فهذا لا بأس به، لكن من غير انحناء. فإذا انخفض يسيراً لأجل التقبيل فلا بأس بذلك. أما أنه ينحني وينزل وهو واقف ليقبل رجل الأم فهذا لا ينبغي، وهذا فيه تكلف أيضاً. نعم، إذا كان لا يحتاج إلى انخفاض، وإنما هو جالس عند قدمها، وقبَّله من باب الإكرام لها فلا بأس بذلك).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: (ذكر ابن القيم، رحمه الله، في الإغاثة، على قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً} [سورة البقرة آية: 58] ما نصه: قال السدي: هو باب من أبواب بيت المقدس، وكذلك قال ابن عباس، قال: والسجود بمعنى الركوع، وأصل السجود الانحناء لمن تعظمه؛ فكل منحن لشيء تعظيماً له فهو ساجد له، قاله ابن جرير وغيره؛ قلت: وعلى هذا، فانحناء المتلاقيين عند سلام أحدهما لصاحبه، من السجود المحرم، وفيه نهى صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى ما ذكره ابن القيم، رحمه الله تعالى.
وقد أشكل هذا على كثير من الناس، ممن لم يكن له معرفة بمدارك الأحكام، ومعاني الألفاظ، فزعموا: أن ما يفعله المسلمون الآن من المعانقة، من هذا القبيل، وأنه هو هذا الانحناء المحرم الذي ذكره ابن القيم؛ وليس الأمر كما زعموا، ولا على ما فهموا، لوجوه:
أحدها: أن المسلمين لا يقصدون بهذه المعانقة، الانحناء لمن يسلمون عليه تعظيماً له بذلك، وإنما يقصدون المعانقة المشروعة، وحملهم على ما هو الحق، وما يقصدونه ويتعارفونه، أحسن وأوفق من حملهم على الأمر المحرم، الذي لا يقصدونه ولا يعرفونه، إذ حملهم على هذا من العنت والتحكم.
الوجه الثاني: أن هذا من باب التحية والملاطفة والمحبة والشفقة، بعد الالتقاء من البعد والسفر وغير ذلك، لا من باب التعظيم.
الوجه الثالث: أن الانحناء المحرم الذي عناه ابن القيم، وتكلم فيه أهل العلم، هو: الانحناء للمعظَّم من الناس تعظيماً له بذلك، من غير مصافحة ولا معانقة، كما يفعله أهل الأمصار اليوم للمعظم عندهم، فيقومون له وينحنون له ويعظمونه بذلك، وهذا لا يفعلونه غالبا إلا للرؤساء.
وأعظم من ذلك وأبلغ في التحريم: ما قد يفعله بعضهم غالباً مع الانحناء أو بدونه، من رفع يده والإشارة بها إلى محل السجود منه من أنفه وجبهته، وهذا فيه إشارة إلى السجود له، كما يفعله أهل الأمصار اليوم، من الانحناء والإشارة إلى الأنف والجبهة، وهو الانحناء المذموم المحرم، الذي عناه ابن القيم، رحمه الله، لا ما يفعله المسلمون الآن من المصافحة والمعانقة; ولا يقول هذا إلا جاهل متنطع متشدد، سمع لفظ الانحناء وأنه محرم، وأنه من السجود والتعظيم للمخلوق، فقاس عليه سلام أهل الإسلام، أو ظن أنه هو الذي عناه ابن القيم، وجعل إكبابه عليه للمعانقة انحناء له وتعظيماً، وهذا باطل كما تقدم بيانه).
فائدة: ذكر بعض أهل العلم أن تحية المجُوس: الانْحِنَاء. والله أعلم.


كتبه د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء

الخميس، 12 يوليو 2018

الاثنين، 4 يونيو 2018

(الفصل بين التراويح والقيام)

(الفصل بين التراويح والقيام)


التفريق في الحكم بناء على التسمية لا دليل عليه ، فلا ينبني حكم من أحكام صلاة الليل لمجرد تسميتها بتراويح أو قيام ، فكلاهما قيام ليل .

قال الشيخ عبدالله أبا بطين - رحمه الله - : (ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يُفعل أول الليل تراويح ، وما يصلى بعد ذلك قياماً ، فهو تفريق عامي ، بل الكل قيام وتراويح ، وإنما سُمِّي قيام رمضان تراويح ؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة ) . [ الدرر السنية (٣٦٩/٤) ]

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - : (الصلاة في رمضان كلها تراويح) . [ الفتاوى (٣٣٨/١١) ]

وقد ظن بعضهم أن هذا الفصل بين صلاة أول الليل وآخره هو التعقيب الذي ذكره الفقهاء ، وكرهه بعضهم .

وقد نبَّه الشيخ عبدالله أبا بطين - رحمه الله - إلى خطأ هذا الظن بقوله : (وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي : صلاة التعقيب ، الذي كرهه بعض العلماء ، فليس كذلك ؛ لأن التعقيب هو : التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر ، هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح ، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب) . [ الدرر السنية (٢٧٠/٤) ]

ثم على فرض أنه التعقيب فأكثر الفقهاء على عدم الكراهة .

قال ابن رجب - رحمه الله - : (أكثر الفقهاء على أنه لا يُكره التعقيب بحال) . [ فتح الباري (٢٥٩/٦) ]

ثم بعض من كرهه من أهل العلم كالحسن البصري - رحمه الله - كرهه لمعنى آخر ، وهو ما صرح به في قوله حين سُئل عن التعقيب : (لا تملوا الناس) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه .

قال ابن رجب معلقاً على قول الحسن : (وهذه الكراهة لمعنى آخر غير الصلاة بعد الوتر) . [ فتح الباري (٢٥٩/٦) ]

نقل الكوسج عن إسحاق - رحمهما الله - أنه إذا أتم الإمام التراويح في أول الليل كره له أن يصلي بهم آخره جماعة أخرى ، (وتمام التراويح أن يختمها بوتر) ، أما إذا لم يتم بهم في أوله فله أن يتمها في آخر الليل ، وعلى ذلك فلا يُكره . [ مسائل الكوسج (٨٤٠/٢) رقم المسألة (٤٩٢) ، والفتح لابن رجب (٢٥٩/٦) ]

فالفصل بين صلاة صلاة أول الليل وآخره ليس بمحدث ، بل هو ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : (بتُّ في بيت خالتي ميمونة فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم جاء فصلى أربع ركعات ، ثم نام ، ثم قام ، فجئت فقمت عن يساره ، فجعلني عن يمينه ، فصلى خمس ركعات ، ثم صلى ركعتين ثم نام ، حتى سمعت مطيطه ، أو قال : خطيطه ، ثم خرج إلى الصلاة) .

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال عن التعقيب : لا بأس به إنما يرجعون إلى خير يرجونه ، ويبرؤون من شر يخافونه .

قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - : (والحقيقة الأمر أنه لفضيلة العشر الأواخر يضيفون إلى صلاة التراويح في أول الليل صلاة التهجد في آخره ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها : (إذا دخلت العشر جدَّ واجتهد وشدَّ المئزر وأحيا ليله) ، وكان السلف يفعلون ذلك اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .

واستدلال هؤلاء الخاطئ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة حرمهم من خير كثير ؛ لأن إحدى عشرة ركعة تستغرق معظم الليل بطول القيام وطول الركوع والسجود مما لم يتنبه له هؤلاء حيث أخذوا مجرد العدد دون الصفة ، وغالب أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي في الليل وحده ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة ، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) .

فلهذا لما صلى الصحابة صلاة التراويح جماعة في عهد عمر صلوها ثلاثاً وعشرين ركعة فخففوا في الصفة ، وزادوا في العدد ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) ، فالثلاث والعشرين من سنة الخلفاء الراشدين ، والإحدى عشرة فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والكل سنة ، والتفاوت في العدد لتفاوت الصفة ، واختلاف حال المصلين فرادى وجماعةً .

وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على قيام الليل ، ولم يحدد عدداً معيناً مما يدل على أن الأمر واسع ، وأنه متروك لرغبة المصلي ، ونوع صلاته ، والله أعلم) .

جاء في فتوى اللجنة الدائمة : (ولا بأس أن يزيد في عدد الركعات في العشر الأواخر عن عددها في العشرين الأُوَل ، ويقسمها إلى قسمين قسماً يصليه في أول الليل ويخففه على أنه تراويح كما في العشرين الأُوَل ، وقسماً يصليه في آخر الليل ويطيله على أنه تهجد ، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها ، وكان إذا دخلت العشر الأواخر شَمَّر ، وشدَّ المئزر ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله تحرياً لليلة القدر ، فالذي يقول لا يزيد في آخر الشهر عما كان يصليه في أول الشهر مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومخالف لما كان عليه السلف الصالح من طول القيام في آخر الشهر في آخر الليل ، فالواجب اتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - ، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ، وحث المسلمين على صلاة التراويح وصلاة القيام لا تخذيلهم عن ذلك ، وإلقاء الشبه التي تقلل من اهتمامهم بقيام رمضان) . [ المجموعة الثانية (٦/ ٨٢_٨٣) ] 

[ مقتبس من رسالة : (مسائل صلاة الليل) للشيخ د. محمد بن فهد الفريح - تقديم : العلامة صالح بن فوزان الفوزان - (ص٣٢_٣٦) ]


مقطع:
( من يحرمون الناس من صلاة التهجد مع التراويح !! )
للعلامة صالح الفوزان

الأحد، 6 مايو 2018

.. لطفاً منك لطفاً فما أحوجنا إليك ..


.. لطفاً منك لطفاً فما أحوجنا إليك..

إن لطف الله بعباده لا حد له, ومن لطفه في قضائه ما حصل لكاتب هذه السطور قبل شهر من اشتعال لهب نار بلغ السقف سببه الغاز وقد أدى إلى حرق بعضٍ من جلد يديه وشيء من وجهه, وذهبتْ آثار تلك الحروق كلها بفضل الله, والله هو المحمود سبحانه, وحين حسحست النار أكثر شعر الوجه سلَّم الله العينين فلم تصب بأذى إلا الرهق أحياناً, ومن رأى الثوب وملبوس القدم بعد الاحتراق لظن أن لابسهما قد تلفت بعض أعضائه على الأقل ! ولكن " السالم معزول" والله خير حافظاً, فالحمد لله على لطفه, وهذا المقال أكتبه شكراً لله , وثناء عليه, واعترافاً بالفقر إليه, وعظيم الحاجة إلى إحسانه ورحمته , فاللهم ربي لك الحمد كله, لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك, نعم كم نحن والله محتاجون إلى ربنا غاية الحاجة, بل مضطرون غاية الاضطرار إليه, فحاجتنا إليه سبحانه أعظم من حاجة الطفل إلى والديه, ولا أعلم أحداً بسط الكلام حول اضطرار الخلق إلى ربهم, وحاجتهم إليه في عباداتهم وأمورهم كلها , كما فعل الإمام ابن تيمية عليه من ربه الرحمات في مواضع من كتبه ومنها على سبيل المثال الجزء الأول صفحة (20 وما بعدها) من مجموع الفتاوى, ولعل طلاب العلم يقرؤونها, ويقربون ألفاظها إلى الناس, ويشرحونها لهم, فالحاجة ماسة إلى مثلها في هذا العصر.
 وأقول: سبحان الله الذي فتح على الإمام ابن تيمية بتلك الفتوح تأملاً ونظراً وتعبيراً وتحريراً, والحمد لله أن مدنا الله بمثله, وأذكر مرة أني سألتُ شيخنا العلامة عبدالله الغديان رحمه الله عن مسألة فقهية وأن أحد علماء الحنابلة حكى عدم الخلاف فيها, ثم انصرف الكلام إلى غيرها, فزرته بعد أسبوع تقريباً فقال: المسألة تلك أشغلتني كثيراً فذهبتُ أبحث عن أدلتها وأقوال أهل العلم فيها, فوقفت على كلام محرر لابن تيمية فيها... ثم قال: (ابن تيمية مدد من الله للقرون المتأخرة).
ولما قيل للشيخ محمد بن الشيخ عبدالرحمن ابن قاسم رحمهما الله: هل لابن تيمية أبناء؟ قال: نحن أبناؤه.
عوداً على بدء أحمد الله على قضائه, وأسأله العفو والعافية, ولا شك أن قضاء الله واختياره لعبده المؤمن هو خير من اختياره لنفسه.
وقد رأيت من لطف الله في قضائه هذا ما لا أحصيه, وأما آثار القضاء كألم وقت نزوله, فالله يزيله برحمته, وابن آدم ضعيف بل هو غاية في الضعف ومحل للأقدار! كم يخطط أن يفعل كذا إن مد الله في عمره, فيعرض له ما يمنعه , بل ويعجز عن القيام به, فالله هو المعين والموفق والمسدد, ولا حول ولا قوة إلا به, فاللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك, وتحول عافيتك, وفجاءة نقمتك, وجميع سخطك.
وكل مصيبة تقع على الإنسان فبإذن الله, وليس العبرة بوقوعها بل بتسليم الأمر لله ومقابلة القضاء بالرضا (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم), رزقنا الله جميعاً التسليم لأمره, والرضا بقضائه.
وقبل أن أختم المقال أحب أن أشكر كل من سأل عن أخيه ودعا له, أو أرسل إليه, من كبار وصغار, ورجال ونساء, من داخل المملكة وخارجها, من علماء ووجهاء, ومن وزراء وأصدقاء, ومن زملاء وأحباء, ومن أقرباء وجيران أوفياء,  الذين بادروا باتصالاتهم وسؤالهم لما بلغهم الخبر, لا أراهم الله مكروهاً, وأخص منهم: سماحة المفتي العام شيخنا الفقيه عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حرسه الرحمن, وسماحة الوالد شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان حماه ربي ورفع مقداره (والذي كان عازماً على زيارة ابنه فاعتذر ابنه إليه؛ إذ الحق لمقام الأبوة على البنوة), وشيخنا الكبير عبدالمحسن العباد الذي غمرني بلطفه وكرمه في اتصالات يوماً بعد يوم تقريباً لمجرد الاطمئنان, ولا أنساها له جزاه الله عني خير الجزاء وأوفاه  ومتعنا به.
ما زالَ يسبقُ حتَّى قالَ "غابطه" ... له طريقٌ إلى العلياءِ مُخْتصرُ
وتقبل الله ما أدعوه لمشايخي الأحياء منهم والأموات, وهم كما قال أبو الطيب:
كالبحرِ يقذِفُ للقريبِ جواهِراً ... جُوداً ويبعثُ للبعيد سحائِبا
كما أشكر الأديب الكبير الشيخ محمد بن عمر العقيل ولا أظن أن هذا الاسم مشهور بين الناس كشهرة ما اختاره لنفسه (أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري) الذي أصر على نفسه مع أنه سلخ الثمانين من عمره ليزور أخاه مع بُعد المسافة بين المنزلين, مع اعتذاري إليه أن يأتي مكتفياً باتصاله (إذ كان باب الزيارة مغلقاً تقريباً دفعاً للمشقة) لكن لا حيلة لي مع مثله.
وأقول كما قال الأول :
إن جدت فالجود شيءٌ قد عرفت به ... وإن تجافيت لم تنسب إلى لوم
ولا أنس تلك المشاعر التي ملؤها المحبة والتوقير والتقدير التي حفني بها جملة ممن أتدارس معه العلم في قاعات المعهد العالي للقضاء مسماهم "الطلاب" وهم في جملتهم مشايخ نجباء أهل فضل وأدب زادهم الله علماً نافعاً وعملاً صالحاً, وجعلهم عدة نافعة لدينهم ووطنهم.
وأما الأصدقاء فسأكتفي بذكر الكنى عن الأسماء متمثلاً قول الشاعر:
وأنزهُ اسمكَ أنْ تمرّ حروفهُ ** من غَيرَتي بمَسامِعِ الجُلاّسِ
فأقولُ بعضُ النّاسِ عنك كنايةً ** خوْفَ الوُشاةِ وَأنتَ كلّ النّاسِ
فإلى أبي محمد, وأبي خالد, وأبي ناصر, وأبي سعد, وأبي علي جزاكم الله عن أخيكم خيراً وغفر لكم, وأما الصديق الفاخر أبو صالح فلم تقر عينه "على حد قوله" حتى ركب الطائرة وقطع المسافات ليفاجئ أخاه عند المنزل وليس لأحدهما على الآخر نعمة يرُبُّها إنما المحبة في الله أدامها الله, وأسأل الله أن يسقيه من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم, وأن يصلح له ذريته , وأن يقر عينه.
تلكَ المكارِمُ لا أرَى مُتأخِّراً ** أولى بها منه و لا مُتقدِّما
وأما الوالدان والأهل فالله يشكر صنيعهم, ويتولى جزاءهم بالحسنى.
حامداً ربي على جزيل عطائه, راضياً بقضائه, مثنياً عليه بنعمه.


وكتب/
د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء



السبت، 24 فبراير 2018

إلى الأمير خالد الفيصل أنتم أهل العوجا


إلى الأمير خالد الفيصل أنتم أهل العوجا


رحم الله سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز ورحم الله شيخنا سعد الحصين إذ كتب الثاني إلى الأول يخبره أن الملك حسين منع إقامة تمثال ويطلب منه شكره على هذا الموقف, فكتب سماحته ما نصه: (من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة جلالة الملك الكريم حسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية - عمان - وفقه الله لما فيه رضاه ونصر به دينه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فلقد أبلغني صاحب الفضيلة الشيخ سعد بن عبد الرحمن الحصين الملحق الديني بسفارة المملكة العربية السعودية في عمان في كتابه المؤرخ في 5 \ 1 \ 1417 هـ أن جلالتكم قد منع إقامة تمثال لكم في عمان، فسرني ذلك كثيرا، وشكرت لجلالتكم هذا العمل، ورأيت الكتابة إلى جلالتكم في ذلك شاكرا وراجيا من جلالتكم إصدار الأمر الكريم بتحكيم الشريعة المطهرة في المملكة الأردنية الهاشمية في جميع الشئون، كما حكم بها جدكم أفضل الخلق محمد -r- وحكم بها خلفاؤه الراشدون وأئمة الهدى بعدهم؛ عملا بقول الله سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}   وقوله -عز وجل-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وقوله -عز وجل

 -: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ولا يخفى على مثل جلالتكم أن في تحكيم الشريعة المطهرة صلاح أمر الدنيا والآخرة والفوز بالسعادة الأبدية.

فأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدركم لذلك ويعينكم عليه، وأن يصلح لكم البطانة، وأن يعيذنا من مضلات الفتن وبطانة السوء ونزغات الشيطان أنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء).
 تذكرت هذا الخطاب حين علمت بالتوجيه الكريم من أمير منطقة مكة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل سلمه الله في قطع وسائل الشرك، وأسباب الانحراف، وسد باب البدع والخرافات، حول شجرةٍ يتبرك بها الجهال وبعض أهل الضلال، ويعتقدون حولها ما يعتقدون، وقد كانت النصائح لأولئك الذين قصدوا المكان للتبرك ونحوه تتلى، والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر يوجهونهم، ومع ذلك كانوا على فعلهم دائمين، والله سبحانه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فقام أمير منطقة مكة قومة عظيمة، وفعل عزمة مشهودة، فسوى المكان المقصود، وعظَّم جناب التوحيد، وعطل أفعال الشرك والجهل، وإني والله أرجو بركة هذا الفعل على البلد كلها، وهذا هو الواجب مع كل وسائل الشرك، وأسبابه، فهذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية بلاد توحيد وسنة منذ قيامها من ثلاثة قرون وحكامها مستمرون على نصرة التوحيد ومحاربة الشرك، هذا قدرها، وهو واجبها، كما أنه سبب عزها، ومصدر قوتها، فعلى الجميع المحافظة على تعظيم جناب التوحيد، وقطع أسباب الشرك، وتبليغ أمراء المناطق عن أي يفعل يخل بالتوحيد، ويهمز قناته، فالظن بجميع أمراء المناطق أنهم سباقون إلى إنكار هذه المنكرات إذا وجدت، ولا شك أن خادم الحرمين الشريفين متع الله المسلمين بوجوده، وأعز به دينه، إمام حازم، وسيف قاطع، من أعرف الناس بدعوة التوحيد وما قامته عليه المملكة العربية السعودية من منهج سلفي بلا إفراط ولا تفريط، وكل ما يعكر صفو الدعوة فهو قادر بإذن ربه أن يجلوه حتى يعود كدرها صفوا، فهم أهل العوجا، لما وصف بعض أعداء دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - بأنها دعوة عوجا قال آل سعود أنصار دعوة التوحيد رحم الله حيهم وميتهم: نحن أهل العوجا.
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين، وحماه، وولي عهده وجعلهما مباركين، وموفقين لكل خير، ومنصورين بالحق، وشكر الله للأمير خالد الفيصل فعله، وشد الله من أزره، وأثابه وجميع من نصر التوحيد وحققه.
وكتبه/
د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء