الاثنين، 4 يونيو 2018

(الفصل بين التراويح والقيام)

(الفصل بين التراويح والقيام)


التفريق في الحكم بناء على التسمية لا دليل عليه ، فلا ينبني حكم من أحكام صلاة الليل لمجرد تسميتها بتراويح أو قيام ، فكلاهما قيام ليل .

قال الشيخ عبدالله أبا بطين - رحمه الله - : (ما يجري على ألسنة العوام من تسميتهم ما يُفعل أول الليل تراويح ، وما يصلى بعد ذلك قياماً ، فهو تفريق عامي ، بل الكل قيام وتراويح ، وإنما سُمِّي قيام رمضان تراويح ؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة ) . [ الدرر السنية (٣٦٩/٤) ]

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - : (الصلاة في رمضان كلها تراويح) . [ الفتاوى (٣٣٨/١١) ]

وقد ظن بعضهم أن هذا الفصل بين صلاة أول الليل وآخره هو التعقيب الذي ذكره الفقهاء ، وكرهه بعضهم .

وقد نبَّه الشيخ عبدالله أبا بطين - رحمه الله - إلى خطأ هذا الظن بقوله : (وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي : صلاة التعقيب ، الذي كرهه بعض العلماء ، فليس كذلك ؛ لأن التعقيب هو : التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر ، هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح ، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب) . [ الدرر السنية (٢٧٠/٤) ]

ثم على فرض أنه التعقيب فأكثر الفقهاء على عدم الكراهة .

قال ابن رجب - رحمه الله - : (أكثر الفقهاء على أنه لا يُكره التعقيب بحال) . [ فتح الباري (٢٥٩/٦) ]

ثم بعض من كرهه من أهل العلم كالحسن البصري - رحمه الله - كرهه لمعنى آخر ، وهو ما صرح به في قوله حين سُئل عن التعقيب : (لا تملوا الناس) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه .

قال ابن رجب معلقاً على قول الحسن : (وهذه الكراهة لمعنى آخر غير الصلاة بعد الوتر) . [ فتح الباري (٢٥٩/٦) ]

نقل الكوسج عن إسحاق - رحمهما الله - أنه إذا أتم الإمام التراويح في أول الليل كره له أن يصلي بهم آخره جماعة أخرى ، (وتمام التراويح أن يختمها بوتر) ، أما إذا لم يتم بهم في أوله فله أن يتمها في آخر الليل ، وعلى ذلك فلا يُكره . [ مسائل الكوسج (٨٤٠/٢) رقم المسألة (٤٩٢) ، والفتح لابن رجب (٢٥٩/٦) ]

فالفصل بين صلاة صلاة أول الليل وآخره ليس بمحدث ، بل هو ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : (بتُّ في بيت خالتي ميمونة فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم جاء فصلى أربع ركعات ، ثم نام ، ثم قام ، فجئت فقمت عن يساره ، فجعلني عن يمينه ، فصلى خمس ركعات ، ثم صلى ركعتين ثم نام ، حتى سمعت مطيطه ، أو قال : خطيطه ، ثم خرج إلى الصلاة) .

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال عن التعقيب : لا بأس به إنما يرجعون إلى خير يرجونه ، ويبرؤون من شر يخافونه .

قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - : (والحقيقة الأمر أنه لفضيلة العشر الأواخر يضيفون إلى صلاة التراويح في أول الليل صلاة التهجد في آخره ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها : (إذا دخلت العشر جدَّ واجتهد وشدَّ المئزر وأحيا ليله) ، وكان السلف يفعلون ذلك اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .

واستدلال هؤلاء الخاطئ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة حرمهم من خير كثير ؛ لأن إحدى عشرة ركعة تستغرق معظم الليل بطول القيام وطول الركوع والسجود مما لم يتنبه له هؤلاء حيث أخذوا مجرد العدد دون الصفة ، وغالب أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصلي في الليل وحده ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (أيكم أمَّ الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة ، فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) .

فلهذا لما صلى الصحابة صلاة التراويح جماعة في عهد عمر صلوها ثلاثاً وعشرين ركعة فخففوا في الصفة ، وزادوا في العدد ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) ، فالثلاث والعشرين من سنة الخلفاء الراشدين ، والإحدى عشرة فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والكل سنة ، والتفاوت في العدد لتفاوت الصفة ، واختلاف حال المصلين فرادى وجماعةً .

وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على قيام الليل ، ولم يحدد عدداً معيناً مما يدل على أن الأمر واسع ، وأنه متروك لرغبة المصلي ، ونوع صلاته ، والله أعلم) .

جاء في فتوى اللجنة الدائمة : (ولا بأس أن يزيد في عدد الركعات في العشر الأواخر عن عددها في العشرين الأُوَل ، ويقسمها إلى قسمين قسماً يصليه في أول الليل ويخففه على أنه تراويح كما في العشرين الأُوَل ، وقسماً يصليه في آخر الليل ويطيله على أنه تهجد ، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها ، وكان إذا دخلت العشر الأواخر شَمَّر ، وشدَّ المئزر ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله تحرياً لليلة القدر ، فالذي يقول لا يزيد في آخر الشهر عما كان يصليه في أول الشهر مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومخالف لما كان عليه السلف الصالح من طول القيام في آخر الشهر في آخر الليل ، فالواجب اتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - ، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده ، وحث المسلمين على صلاة التراويح وصلاة القيام لا تخذيلهم عن ذلك ، وإلقاء الشبه التي تقلل من اهتمامهم بقيام رمضان) . [ المجموعة الثانية (٦/ ٨٢_٨٣) ] 

[ مقتبس من رسالة : (مسائل صلاة الليل) للشيخ د. محمد بن فهد الفريح - تقديم : العلامة صالح بن فوزان الفوزان - (ص٣٢_٣٦) ]


مقطع:
( من يحرمون الناس من صلاة التهجد مع التراويح !! )
للعلامة صالح الفوزان