الخميس، 21 يناير 2016

( الإسرف )


الخُطْبَةُ الأُوْلَى (الإسراف)

 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}


أَمَّا بَعْدُ:

فَجُرْمٌ عَظِيمٌ، وَإِثْمٌ مُبِينٌ، وَصَفَ اللهُ بِهِ قَوْمَ لُوطٍ وَفِرْعَوْنَ، جَاءَت الآيَاتُ بالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَوَرَدَت الأَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ، هُوَ كُفْرَانُ لِلنِّعَمِ، سَالِبٌ لَهَا،   خَطَرُهُ كَبِيرٌ، لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، الصِّغَارُ وَالكِبَارُ، الذُّكُورُ وَالإِنَاثُ، مُؤْذِنٌ بِالهَلَاكِ، ذَلِكُمْ يَا عِبَادَ الله هُوَ الإِسْرَافُ.

عباد  الله :إِنَّ أَعْظَمَ الإِسْرَافِ هُوَ الشِّرْكُ بِالله، وَتَضْيِيعُ حَقِّه سُبْحَانَهُ بِصَرْفِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ العِبَادِةِ لِغَيْرِهِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّارِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ}[الأنبياء:9] وَقَالَ سُبْحَانَهُ:(وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ) [طه:127]  وَقَالَ سُبْحَانَهُ:(وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) [غافر:43].


وَمِنْ أَعْظَمِ الإِسْرَافِ: الإِسْرَافُ فِي المَعَاصِي، وَارْتِكَابُ النَّوَاهِي، وَقَدْ حَثَّ اللهُ  المُسْرِفِينَ فِي الذُّنُوبِ عَلَى التَّوْبَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَلَّا يَقْنَطُوا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ عَنْ قَوْمٍ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:147]، فَكَانَ الجَزَاءُ:( ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:148].


وَمِنَ الإِسْرَافِ يَا عِبَادَ الله: الإِسْرَافُ فِي المَأْكَلِ وَالمَشْرَبِ، وَقَدْ نَهَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]، أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «كُلُواْ، وَتَصَدَّقُواْ، وَالْبِسُواْ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَـخْيِلَة».

فَالمُسْرِفُ فِي مَالِهِ، المُبَذَّرُ لَهُ، قَدْ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ قَدْ كَرِهَ لَنَا تَضْيِيعَ المَالِ، أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ المُغِيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ -عز وجل - كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ».

وَلَا تَجُوزُ طَاعَةُ الآمِرِ بِالإِسْرَافِ، لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الأَرْضَ: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ) [الشعراء:151-152].


وَمِنَ الإِسْرَافِ أيها المسلمون: الإِسْرَافُ فِي تَضْيِيعِ الأَوْقَاتِ، وَإِنْفَاقِ الأَعْمَارِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ، بَلْ يَضُرُّ، قَالَ عَطَاءُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)  [الأعراف:31] (نُهُواْ عَنِ الإِسْرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ).


فَإِيَّاكُمْ يَا عِبَادَ الله أَنْ تَقَعُواْ فِي الإِسْرَافِ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى دِّينِ الرجل, وَنقصٌ في عقله, وضياعٌ لدنيا، فَلَا ترتكبوا المَعَاصِي فإنه إسراف، وَلَا تُسْرِفُواْ فِي المَآكَلِ وَالمَشارَبِ، وَلَا تُسْرِفُواْ فِي اسْتِخْدَامِ مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ نعمة الكَهْرُبَاءِ وَالمَاءِ وَغَيْرِهَا من النعم، قَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (مَا جَاوَزْتَ بِهِ أَمْرَ الله تَعَالَى فَهُوَ سَرَفٌ). بَلْ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ الله تَعَالَى: (مَا أَنْفَقْتَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ الله فَهُوَ سَرَفٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً). قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [يونس:12]، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمد لله على نعمه, والشكر له على مننه, والصلاة والسلام على خير عباده, وأفضل أوليائه وعلى آله وأصحابه أما بعد: 

فاتَّقُواْ اللهَ عِبَادَ الله، وَتَجَنَّبُواْ أَسْبَابَ غَضَبِهِ، وَأَلِيمَ عِقَابِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالاِقْتِصَادِ، وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39]، «يَعْنِي فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ»، بَلْ كَانَ رَسُولُنَا - صلى الله عليه وسلم - كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يَدْعُو رَبَّهُ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي»، كُلُّ هَذَا تَرْبِيَةً لِأُمَّتِهِ، وَإِظْهَارًا لِلذُّلِّ لِرَبِّهِ، وَمَعْرِفَةً بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: «كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأتكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَـخْيلَةٌ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ...

* * *

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق